الإقامة الشرعيّة لا تحمي دائماً من العنصريّة (مروان طحطح)
رواية اللاجئين والمقيمين
رأي الأمن العام
لبنان واللجوء
سجن العار
إياكم أن تتكلّموا عنّا بسوء
الإقامة الشرعيّة لا تحمي دائماً من العنصريّة (مروان طحطح)
رواية اللاجئين والمقيمين
رأي الأمن العام
لبنان واللجوء
سجن العار
(بلال جاويش)رائد شرف *
عند الخروج من صالة السينما في فرع «الغراند سينما» الواقع في الـABC بعد انتهاء عرض فيلم، يبدأ عرض فيلم آخر. ينتظرنا «زنجيٌ»، أو الأنسب أن ننعته موضوعياً «بالعبد». والحال الموضوعية هي موقع الشخص من علاقته مع الآخرين، فكيف إذا كان لهذه الحال كنية متفق عليها؟ إذاً «عبدٌ» ينتظرنا على باب صالة العرض، وهو يحمل في يديه كيساً. وإذ به يمد يديه صوب كل من يخرج من باب القاعة المظلمة، عسى أن يفهم من الزبائن الذين لم يتخلصوا من مستهلكاتهم في أرض الصالة وبين مقاعدها، أنه يؤدي دور «الزبالة التي تأتي إليك(كِ)». تسبب المياه والفشار المستهلكة أثناء مشاهدة الفيلم الحاجة إلى تفريغ المبولة، ما يذهب بالزبائن إلى قصدهم الحمامات. وهناك، في قسم الرجال، يمكننا أن نرى «عبدة»، هذه المرة من الجنس النسائي، وهي تجتهد في تلميع مرايا المكان، بينما أبواب أقسام الخروج من ورائها وأمامها على المرايا، تنفتح وتنغلق على إيقاع أسراب الشباب المبولين وطالبي التبويل، وهم كثر عند انتهاء كل فيلم.
هذه المجموعة العاملة من «العبيد»، تحوي احتمالات طبائع متنوعة. فمنهم من أمكننا أن نستشف عنده نوعاً من القرف وهو ينفذ مهماته. قرف قد يُترجَم شعورٌ بالذل، أو قرفٌ تجاه المجتمع من حوله: عند بعضهم، يغلب ازدراؤهم من شخصهم على نظرتهم للحياة، والشعور بأن الحياة لا تكافئ بما فيه الكفاية، وهو نوع من العزلة. وبالتالي، بأن شخصهم فشل. أما عند البعض الآخر، فيغلب شعور الغضب والكره لمحيط وقح، والمعرفة بأن الدنيا والسماوات والآلهة كلها مخطئة، ولن تستوي يوماً على صواب إلا بفعل اليد التي دربها العمل والعبودية، بفعل لكماتها على «وجوه» الوقاحة. والظروف الموضوعية لهؤلاء العاملين في أسفل هرمية العمل والمجتمع كفيلةٌ بأن تقدم الحجج والبراهين على صوابية أفكارهم، بتنوعاتها.
لكن بعيداً عن «دراما» تأويلات الأفكار، ذلك أنه في الحياة الاجتماعية ما يكفي من قوى قامعة للأفكار، تحصرها في عقول أصحابها وفي عيونهم. يسري المجتمع اللبناني على إيقاع آخر، أكثر هدوءاً. وغالباً ما نرى العاملين في ظروف صعبة، حيث لا يعمل غيرهم، مسيطرين على مظاهر القرف التي تسهل تجلياتها عند الطبقات البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، في ظروف أقل صعوبة. وهذا ما يجعل القمع أكثر مأساوية. فالحقيقة أن مظاهر الاعتراض في لبنان، على تنوّع أشكالها، تتعرض لأقسى أشكال القمع الجسدي، وعدم الفهم. والضرب لعدم الفهم قد يكون أكثر إيلاماً من القمع الجسدي للتمرد. هم يضربون كما يُضرب الأطفال، والابتسامة على وجه الجلاد، لا كمتمردين، حيث تكون صفة التسلط تحت المساءلة، ما يترك أفعال الظلم سارية، على نحو اعتيادي ومن دون معارضة تلمس. لا بل يجعل أفعال الظلم منطقياً مقبولة، أو سارية، لا يناقشها أحد، ولا تستوي في الخطاب السياسي أو حتى في الخطاب الاجتماعي العادي مقام جدلٍ. فغالباً ما يكون الجواب على تمرد العمال المستعبدين في لبنان مسخرة في الشارع، وفي المخفر، ولكمات على الوجه بقصد وقف صوت البكاء وليس دائماً بقصد إسكات «الفضيحة».
فيصبح هؤلاء العاملون في أسفل هرمية العمل، في نظام السكوت عن الظلم وعدم إدراكه، كائناتٍ «طبيعية»، في الموقع الذي تستحقه ولا يستحقه غيرها، لأنها «لا تقرف» و«لا تشمئز»، وبكاؤها بين الحين والآخر سببه «هستيريا». باختصار، لأنها تستوجب شروط هذا الموقع الوظيفي. «تخيلوا أن نأتي بلبنانية لتنظيف الحمامات مثلاً؟». هكذا يذهب المنطق العادي. فوظيفة تنظيف الحمامات من ضرورات «الكرم والاهتمام بالضيوف». وجلها من صفات الأيديولوجية الوطنية المهيمنة.
لكن لنبدأ من أول الحكاية، حكاية المجتمع اللبناني مع العنصرية. ولهذه أشكال عديدة، فعالة يومياً، في سلب حقوق الناس، في تسهيل استغلالهم، وتعميم الفرقة، وعموماً في صنع القهر في المجتمع. هي كما سنرى، بمعظم أشكالها، مرتبطة بسيطرة الطبقة الحاكمة على المجتمع. تارةً، يسهل انتشارها الحكم، وطوراً يخترعها. وتستدعي اختراع يد عاملة مختصة في تدعيمها وفي الإشراف على سير أمورها.
الطائفية
يمكن من المقطع السابق استخراج منطقين لسير أمور العنصرية يعملان في اللحظة نفسها: قمع الاعتراض، وهو المنطق الأول، والمؤدي إلى الثاني، وهو تكريس الهرمية العنصرية في أي مسألة، على أنها من طبيعة الأمور. أي جعل اللحظة التي تمارس فيها العنصرية من اللحظات العادية.
ليس في لبنان عنصرية، بل في لبنان نظام عنصري. والطائفية التي يعرف بها النظام عادةً، تكاد تكون قشرته الأخيرة. فالطائفية محكية، يتحدث بها الناس والسياسيون على تنوعهم. حتى الإسلام السياسي في لبنان منتقد للطائفية. وهي تُشرَّح مراراً، حتى ولو في خدمة تغذيتها. أي عندما تنتقد مثلاً بما تمثله من «إجحاف بحق طائفة». وهذا النوع من النقد، الأكثر شيوعاً بين الطائفيين، تكمن طائفيته بالاعتراف بـ«الطوائف» قبل كل شيء. وبالتالي في تسهيل استخدامه في الخطاب السياسي، كمصطلح، بما يحمله من معانٍ وصور متخيلة، على حساب المصطلحات المنادية بالتمثيل الديموقراطي الدقيق. فالطبقة السياسية في لبنان، منذ استواء النظام الميليشيوي وتصفيته معارضيه ومنتقدي خطابه، أمثال الشهيد مهدي عامل، اعتادت تغذية حجتها التمثيلية من التقسيم الاعتباطي الطائفي والمناطقي للمجتمع. فهنالك من ادعى أثناء الحرب تمثيل المسيحيين، وغيره الشيعة، وغيره سكان بيروت، من دون إجراء انتخابات، والانتخابات عندما أتت، وثقت لعدم تمثيل هؤلاء للناس، ووثقت لتمثيلهم على الناس. طبعاً، القول باعتباطية تقسيمات الحرب لا يعني إنكار بعض أسس هذه التقسيمات الملموسة والتاريخية المنشأ: فقصف جيش أمين جميل مثلاً الضاحية الجنوبية لبيروت كان حقيقياً وسبباً كفيلاً بجعل أي خطاب معاد لدولة أمين جميل خطاباً شرعياً وشعبياً، مهما كان لباس هذا الخطاب واستنتاجات القائلين به التي قد لا تكون بمستوى الشعبية نفسه. ومرحلة الجمهورية الثانية امتازت بعزل مؤسساتي مقصود لسكان المنطقة الشرقية، في تمثيلهم الانتخابي، بدا أكثر انسجاماً مع مبررات الخطاب الطائفي «المسيحي» منه مع المنطق الطائفي «الإسلامي» في المنطقة الغربية، حيث القمع لم يكن أقل دموية إن لم يكن أكثر. لأن القمع جاء في لحظة واحدة، شاملاً ومعمماً، مستهدفاً التيار الشعبي الوحيد الذي أفرزته الحرب الأهلية، أي التيار العوني. ما أثر من دون شك على التنشئة السياسية لقاطني هذه المنطقة، على مدى خمس عشرة سنة، ليس بالضرورة بمنحى التراص «الطائفي» المعني، بل بتنوعات صوره المتخيلة وحججه الثقافية. كل ذلك تماشياً مع عمل إكليريكي دؤوب على تأمين شروط تراصّ طائفي مسيحي عبر تنشئة المدارس والجامعات والرعيات وغيرها من مؤسسات التأطير الاجتماعي، في تقليد عند الإكليروس عمره من عمر لبنان، الفكرة والدولة. في ذلك نرى أن الغربية، بخطابها المهيمن في التسعينيات على الساحة الإعلامية والسياسية، ساهمت في دعم التراص الطائفي في المنطقة الشرقية عبر دعمها شروط حجته، هذا التراص الذي أسمته «بالانعزال» والذي لطالما ادعى بعض قواها الوقوف في وجهه. هذا في بعض التاريخ.
والتشديد على اعتباطية التقسيمات للمجتمع اللبناني والعودة تكراراً إلى حلقات توثيق هذه الاعتباطية، مثل انتخابات ١٩٩٢ التي شلحت كل الميليشيات المسيطرة أي شرعية رومانسية كانت لها «تحت هدير المدافع»، هذا التشديد إذاً، هذه العودة إلى اللحظة المؤسسة الكفيلة بإجلاء سببيات هذه اللحظة والشروط الاجتماعية التي فرضتها على الواقع، تبقى ضرورية، في نظام اجتماعي يغذّي نفسه من الأمر الواقع، من القبول بخطاب الأمر الواقع ومن تغييب شروط مساءلة هذا الأمر الواقع. كما سنرى في وضع باقي قشور عنصرية النظام في لبنان.
الطائفية بشروطها السائدة حالياً تكاد تكون من إنتاج الطبقة السياسية فقط، إذ وحده الإكليروس الماروني من بين المؤسسات الروحية له كلمة مستقلة وفعالة في الموضوع خارج المجتمع السياسي. والحقيقة أنه لم يسمح حتى لأحزاب طائفية جديدة أن تبرز، دينية كانت أم عقائدية، وأن تزدهر في لبنان في السنين الماضية (جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية، وبالرغم من وزنها التمثيلي، أخرجت من السياسة في الانتخابات الأخيرة). وفي معظم الأحيان، وكما يتضح من تنوع التحالفات عند كل فريق، يبدو أن الطائفية هي حصرياً من فعل نظرة عنصرية عند الطبقة السياسية تجاه المجتمع. نظرة ليست بالمستغربة عند السياسيين، ولماذا تكون كذلك، عندما الخطاب الأكاديمي المحلي المهيمن يكون هو أيضاً طائفياً. ويشترك بعض الأكاديميين الأكثر مرجعية والسياسيين بالنظر إلى الشعب كالماشية، لا يحركه إلا «الخطاب الجماعاتي» (اقرأه: «الطائفي»). وحيث يبدو بعض السياسيين صادقين في طائفيتهم، في حرصهم على «مصلحة المجتمع المسيحي» أو على «وأد الفتنة بين المسلمين»، لا شيء أكثر من تشاركهم مبادئ «العنصرية الاقتصادوية» يحسم الجدال لمصلحة حقيقة عدم صدقهم الطائفي أو أقله في مركز الطائفية الثانوي في هرمية العنصريات المتفشية في معتقدات مجتمع السياسيين. إذ إن العنصرية الاقتصادوية تكاد تكون النظرة الوحيدة المسموح بها في حقل الخبراء والتكنوقراط في البلاد، من أي حزب أتوا. حتى الطائفية لا كلمة لها في الاقتصاد، بعكس ما توحيه زبائنية الدولة. وهي لذلك أكثر العنصريات فعالية في المجتمع اللبناني، وأقلها مساءلة في تاريخه المعاصر.
العنصرية الاقتصادوية
الرواية نموذجية على أكثر من صعيد، وفيها الوفير من نماذج السلوكيات الاجتماعية التي ستصبح قاعدة في ما بعد، في تعاطي السياسيين مع حقوق المواطنين. فسوليدير تكاد تكون منذ انطلاقتها، أي منذ اكتمال أول استكتاب على الأسهم، كارثةً على الصعيد الوطني، ومرسيةً لمعادلة جديدة في الاقتصاد، قوامها أن مصلحة قلة من الأغنياء والمالكين، أولاً في تأطير الرساميل من جانب الحكومة من مصلحة ملايين المواطنين. كما أن لحظة الاحتفال بالشركة العقارية تلخص المنطق الأيديولوجي المرفق بهذا المنطق الاقتصادي، إذ إن الاحتفال يصبح حجةً، وركيزة رمزية متخطية للمنطق، في وجه أي خطاب سياسي آخر. هذا الاحتفال بالمعادلة الاقتصادية، العوجاء في معيار مصلحة الفقراء ومصلحة العدد الأكبر، سيتبع انتهاجه في مسألة المصارف اللبنانية، التي يقدسها النظام بشبه كامل أعضائه، بالرغم من علاقتها المدمرة بالدولة وبالمجتمع عن طريق الدولة.
يتضمن مشروع القانون الذي سردنا مناقشته أعلاه، تنازلاً من الدولة عن تحصيل الضرائب الناتجة من المشروع على مدى عشر سنوات، وهذه ستكون ثابتة النظام الاقتصادي اللبناني الذي سيتبع، أي إعفاء أكبر المنتفعين والرساميل، من المشاركة في إعادة بعض التوازن، لا بل الكثير من التوازن، إلى نظام إعاشة مجتمع اغتنوا من امتيازاتهم فيه. بل أكثر من ذلك، ستشيد الحريرية نظام نفقات للدولة ونظام استدانة بحجة النفقات، استدانة من المصارف وعن طريق إصدار سندات خزينة بفوائد خيالية تفوق كل المعدلات في المنطقة وعلى المستوى العالمي (أي لا تبررها الضرورة التنافسية)، سيجعل هذا النظام الدولة أسيرة للدين. أسيرة أبدية في المنحى الحالي للأمور، حيث يذهب أكثر من نصف نفقاتها السنوية لخدمة هذا الدين، نصف ما تجنيه الدولة من جيوب المواطنين، مساهمةً في إفقارهم. بينما ينشط الخبراء الاقتصاديون ــــ سمّهم العملاء الرّخاص عند رأس المال ــــ في كل مناسبة استحقاقات إدارية (مثل إقرار الموازنة الحكومية وما تتضمنه من تفصيل للنفقات) في الاشتكاء من مصاريف جسم إدارة الدولة، والمضمونين، والمعلمين والوزارات الريعية، وغيرها من الوسائل التي، مهما علا سخفها ومهما قلّت فائدتها، إلا أنها من الوسائل القليلة التي تعيد إلى المواطنين القليل من الذي دفعوه ضرائب تصاعدية، والذي ذهب معظمه إلى المصارف والمودعين الكبار. هكذا يسير الاقتصاديون، وحقل كامل من الخبرات في لبنان، من أعالي مكاتبهم الموزعة بين مباني المصارف الرئيسية، ووزارة المال، ومشاريع الأمم المتحدة، والأقسام الاقتصادية لأغلب الصحف، والقصر وبلاطه، على التنكر يومياً، وفي كل منشور يصدرونه، أو مقال، أو مقابلة تلفزيونية، لا بل في أبحاثهم الداخلية، التنكر لحقيقة أن النظام الاقتصادي كله يذهب في منحى استغلالي بحت، وأن كل مؤشراته الحسابية تدل على طغيان تغذية الاستغلال المطلقة. مساهمون في تماشيهم مع سير الأمور الحسابية في إرساء استمرارية هذا النظام المفلس، من معيار اقتصاد أي مجتمع سلم. فالنظام الاقتصادي في لبنان، كما النظام السياسي، نظام إدارة للأزمات التي يولدها.
وهنا ينبغي الفصل بين مستويين اجتماعيين. عند الناس، يجهد الإعلام الحريري وإعلام النظام عامةً في عرض الاحتفال بسوليدير والمصارف، وكأن للنظام القائم بطولاته، للتغطية على فعل جريمة النظام الاقتصادية. ولا يمكن الجزم بتفاصيل فعالية هذا الخطاب على الأرض الاجتماعية، في مدى شعبيته عند بعض أوساط المجتمع، بل يجوز افتراضه فعالاً عند الجمهور الناخب للحريرية. وأسباب اقتناع هذا الجمهور عديدة، لن نفصلها الآن، لكنها حتماً تختلف عن أسباب السياسيين والاقتصاديين الحريريين. عند السياسيين والاقتصاديين، المسألة تختلف. فهؤلاء من المفروض أنهم درسوا نماذج اقتصادية مختلفة، ودرسوا السوابق القانونية للسياسات على اختلافها، وجلهم من البرجوازية المدللة التي استحصلت على شهاداتها في الخارج، ومن المفترض أن لديهم نظرة مقارنة للأمور، ومع ذلك، هم ما زالوا يصدقون على سير الأمور الاقتصادية كما هي عليه. وكما في النموذج الذي سبق عرضه في اجتماع اللجان المشتركة، لا شك بأن عند معظم هؤلاء نظرة فوقية للمجتمع، بحكم مهنتهم طبعاً ومرفقة بصورتها وما تحتويه من عناوين النجاح الاجتماعي، لكن، على مستوى أعمق من ذلك، وخلف الأرقام والعمليات الحسابية واللغة البيروقراطية، ماذا يدور في رؤوسهم؟ هل يتخيلون بيوتاً؟ أم ناساً؟ أم سياسيين تلفزيونيين يجب مراعاتهم؟ ولنكن واضحين، الفساد الإداري لا يكلّف الدولة شيئاً مقارنةً بخدمة الدين. وعندما يقرر هؤلاء زيادة قيمة ضريبة ما على ذوي الدخل المحدود، مثلما ينوون إمراره أخيراً في مشروع الموازنة، أو مصادرة بيت، هل تبدأ معالم صورة ما بالظهور من وراء ضباب التجريد؟ ثم عندما يحسمون قرارهم، ماذا يقولون لأنفسهم؟ فلـ«تصطفل» الناس؟ هم ربما يتخيلون الناس كالقردة: إذا اقتلعت شجرتها، لا مشكلة، فهي قادرةٌ على أن تقفز إلى شجرة أخرى.
هكذا هي الحريرية، والعقيدة الاقتصادوية التي أرستها، والقائلة بأولويات ليست بالضرورة بأولوية في الأخلاق وفي ما تدعيه الحريرية في خطابها السياسي. فالعنصرية الحريرية مثلاً، ونرى ذلك كثيراً في شكاوى اقتصادييها، تتذمر من الأحزاب الريعية الطابع، المطالبة بصرف أموال أكثر في وزاراتها. حتى أن الحريرية أصبحت تدين أي نهج مختلف في وزاراتها وكأنه نهج ريعي، حتى لو لم يكن كذلك. نرى ذلك في مقالات اقتصادييها وصحفها في الأسابيع الأخيرة المتذمرة من نفقات الوزير «العوني» المخططة لشركة الكهرباء («النهار» مثلاً، في صفحتها الأولى في تاريخ ١ آذار ٢٠١٠، لا تذكر زيادة في النفقات سوى في الكهرباء). فالهدف، في الخطاب الاقتصادوي الحريري، ليس انتقاد التطفل، ورفيق الحريري وابنه سعد لم يحصلا على أغلبية نيابية ووزارية إلا بفضل الطفيليات. إنما الهدف تثبيت منطق أولويات، تعني توزيع الأموال في البلاد. والأحزاب الريعية تشترك والحريرية في هذه النظرة العنصرية، لأنها في النهاية تسلّم بأولويات الحريرية الاقتصادية، وترى موقع الحماية عن ناسها محفوظاً فقط في التطفل على الإدارة. وليس في قلب النظام رأساً على عقب. هي ربما ترى ناسها لا يستحقون أكثر، مقارنة بغيرهم. وليس صدفةً أن نرى بعض قيادات الأحزاب الطفيلية، على امتداد «الطوائف»، مشاركة في الصفقات الاقتصادية الكبرى. وليكن واضحاً أن الجالس على شرفة قصره الراس ــــ بيروتي، المطلة على رأس بيروت والبحر، أو على الأوزاعي والبحر، لا يختلف كثيراً عن المستعبد الأبيض، الملاك، الجالس على عتبة قصره المشرف على حقول القطن، حيث يجهد «عبيده» في العمل، ومنظر الفضاء القاري الأميركي من حولهم. الرومانسية هي نفسها. وللكلام تتمة.
* كاتب لبناني
Foreign women detainees at the General Security Retention Centre in Lebanon. Photo/A CORRESPONDENT
In Summary
Around 200,000 migrant workers currently stranded in Lebanon
Majority of domestic workers trapped in the Middle East are from Ethiopia, Madagascar, Kenya, West Africa and Morocco
Scores of women are lured to the Middle East by agencies' false promises of a new and prosperous life
Charming pre- Biblical landmarks and archaeological delights dot Lebanon, especially for visitors on tour: The natural beautiful wonder Jeita River, even Mount Lebanon that symbolises relaxation. But that is just for tourists; thousands of Africans, lured by this beauty to work here as househelps, have a different picture of this ancient country.
Ms Abebe was only 21 when an employment agency visited her village. The job, as the agents described it, sounded like heaven. But what the agent did not tell her was that as a maid in Lebanon, she was to live among the lowest of the low.
"The family pushes you like they own you," she recalls. "I suffered abuse from the father, his son and his friends. But I was lucky because they never hit me."
After nine months of service, she fled. "I had hoped that if I went to the police, they would help me. But they interrogated me in Arabic, so I couldn’t answer. Then they jailed me because I didn’t have my papers." She was lucky when a Kenyan woman came to her rescue.
Stranded in Lebanon
Abebe is one of 200,000 migrant workers currently in Lebanon, where a large part of the female lot are from Ethiopia, Madagascar, Kenya, West Africa and Morocco.
Low wages make them affordable (the minimum monthly wage for an Ethiopian maid is $100) even in low-income households at the same time as it grants the employer family social status and prestige, and this is a trend apparent all over the Middle East, where the number of female migrant workers has skyrocketed.
At the same time, in 2009, remittances to sub-Saharan Africa from the Middle East amounted to $7 billion, according to the International Organisation for Migration.
The women who travel to work in Lebanon are often lured by agencies' false promises of a new and prosperous life in the Middle East. The agencies tend to approach rural areas where people are poor and uneducated. Other women travel because a family member has already done so. But the main driver is poverty.
As Ms Abebe says, the working conditions in most cases are far from ideal, which is not explained to the girls when they are lured by the agents, often from rural areas, under false pretences. Many of the women who arrive in the Middle East have signed a contract they don’t understand.
They have to work long hours, seven days a week, as prisoners in the houses where they live. Agencies often overcharge the workers, thus creating a debt-bondage and because maids don't have employee status, except in Bahrain and Jordan, the girls and women live without any form of legal protection in an environment where physical- and psychological abuse and economic exploitation are common.
Debt bondage
“Some of it derives from a peculiar form of racism that is socio-economic,” Nadim Houry from the Human Rights Watch (HRW) explains. In colloquial Arabic, black people are referred to as abed, which means slave. Maids are seen as property that perform the work that people in the Middle East won’t do themselves.” This form of racism is perhaps best illustrated on the Lebanese beaches where in summertime, you have signs that read; “no domestic workers,” he adds.
Some doctors in Lebanon believe that it is the isolation that has driven some women to commit suicide by jumping from highrise buildings. But the police reports, seen by this paper, are often unclear and in a number of cases, authorities have too quickly concluded that the young women had fallen off buildings while they were cleaning windows.
“Other people have tried to pass off the suicides among migrant workers in the Ethiopian community saying they were crazy and have higher suicide rates anyway,” Nadim Houry at HRW explained in an interview.
In an attempt to halt the number of deaths, Ethiopia recently imposed restrictions on travel to Lebanon. But this only applies to women who are offered a minimum wage that is below $100 per month, and rather than help the situation, it is believed to have fuelled trafficking through third countries like Yemen, a Trafficking in Persons (TIP)-report has found out. The same report argued that by definition, movement of people from one country to another, under coercion and exploitation, is trafficking.
Unable to leave out of debt bondage and illegal exploitation by host families, as well as agencies, many of the women who come to the Middle East end up in prison.
Legal hurdles
In Lebanon, the women are kept in the General Security Retention Centre, an underground prison with no natural light or ventilation, and no hot water, and “aggressive and brutal” male guards.
It is the least transparent prison in Lebanon, in contravention of Lebanese law.
“We could be up to 60 people in one cell at times,” Abebe explained, and adding: “The hygiene was a nightmare and there were no female guardians. At that time of month, women cannot get pads. It was horrible and degrading. They made you move around handcuffed and treated us like villains. Yes, I would rather die than go back there.
Abebe now lives in a legal limbo unable to return to Ethiopia, caught in a debt-bondage between her former host-family, who filed a counter report of theft when she went to the police, and General Security for overstaying her visa. But she has no work permit and cannot get legal representation. She was unable to continue the conversation.
New legislation has been approved in Bahrain, Jordan and Lebanon, but there is no body to enforce the law due to an absent state, lack of clarity and lack of protection against abuse.
Lebanon has been added to the US State Department human trafficking tier 2 watchlist for coercion and exploitation.