Friday, October 22, 2010

Crossposting: عاملات المنازل في لبنان: قصص متكررة تبدأ بأجور زهيدة وتنتهي بمآس

يأتين في الغالب من إثيوبيا ودول آسيوية ويعملن على مدار الساعة بأقل من 200 دولار شهريا

تحبس العاملة الإثيوبية في لبنان «عربو»، دموعها وهي تتذكر صديقتها سارة التي قررت العودة إلى بلادها بعد غياب 13 عاما لتأمين مبلغ يكفي لشراء أرض وبناء منزل في قريتها. تقول: «المسكينة لم تحظ طوال إقامتها في لبنان بإجازة، وعندما قررت الراحة، ارتاحت إلى الأبد. مسكينة والدتها التي استغرق وصولها من قريتها إلى مطار أديس أبابا تسع ساعات علها تحضن ابنتها التي هاجرت لتؤمن مستقبل العائلة وتعلم أشقاءها وتبني منزل أحلامها، لكن سارة لن تصل إلا في تابوت، لأنهم عثروا على جثتها في البحر».

وكانت عربو تتحدث لـ«الشرق الأوسط» من مطار بيروت الدولي بعد حادثة سقوط الطائرة الإثيوبية قبالة الشاطئ فجر الاثنين الماضي. مثلها كثيرات كن ينتحبن ويحاولن معرفة مصير 22 عاملة إثيوبية كن على متن الطائرة المنكوبة، في حين لم يكن بين الركاب الإثيوبيين رجل واحد باستثناء طاقم الطائرة، الأمر الذي يشير إلى حجم معاناة هؤلاء العاملات اللاتي يتركن بلادهن بحثا عن عمل دوامه على امتداد ساعات اليوم، ليل نهار، وطوال أيام الأسبوع، وذلك مقابل مبلغ يتراوح بين 150 و200 دولار.

وحكاية العمالة الأجنبية في لبنان شرحها يطول. هي حكاية معاناة مريرة بعض الأحيان، وإن كان التعميم لا يجوز، لكن الاستثناءات قاسية ومخالفة لأدنى حقوق الإنسان، وصولا إلى الموت، إما انتحارا أو في حوادث تبقى غامضة ولا تهتم الأجهزة المختصة بإيلائها حقها من التحقيق ومعاقبة المسؤولين.

إلا أن إثارة القضية تتم بوتيرة مكثفة بعد عزوف سلطات البلدان المصدرة للعمالة عن إرسال عاملات إلى لبنان، كما هي الحال مع مدغشقر، وذلك في انتظار الحصول على أجوبة واضحة من السلطات اللبنانية بشأن انتحار مواطنة ومقتل مواطنتين في حادثي سير.

وترتكز العمالة الأجنبية في المنازل اللبنانية على مواطنات من سري لانكا والفيلبين ونيبال وبنغلاديش وإثيوبيا، بشكل أساسي. وكانت مدغشقر قد بدأت ترسل مواطناتها للعمل في لبنان وفق شروط مدروسة وعقود تضمن لهن ما أمكن من الحقوق. وفور حصول الحوادث الثلاثة قررت اتخاذ الإجراءات التي تحول دون تكرارها.

وتشير الإحصاءات إلى أن عدد العمال الأجانب في لبنان يقارب 200 ألف عامل وفق الأرقام الرسمية، ويبلغ عدد العاملات في المنازل 75% تقريبا من العدد الإجمالي. لكن الرقم أكبر بكثير بسبب وجود عمال دخلوا لبنان خلسة، أو انتهت إقاماتهم ولا يزالون يعملون بطريقة غير شرعية ومن دون تسجيل في وزارة العمل ومديرية الأمن العام. ومعروف أن أصحاب العمل يصادرون من العاملة الأجنبية فور وصولها جواز سفرها، بعد أن يتسلموه ويتسلموها من المطار، ذلك أن القوانين تمنع خروجها إلا برفقة من طلبها للعمل. كذلك لا قوانين تحدد دوام عملها اليومي أو مدخولها الشهري الذي يتم الاتفاق عليه بين السفارة ومكاتب الاستخدام بشكل توافقي. ولا حق لها في الإجازات أسوة بأي عامل في أي مكان في الدول التي تحترم حقوق الإنسان. كما أن بعض أصحاب العمل لا يدفعون للعاملة راتبها عند نهاية كل شهر، وذلك بحجة الحؤول دون هروبها. وأحيانا يعجزون عن دفع المبالغ المتراكمة ولا تجد من تشكو له أمرها. هذا الواقع دفع وزير الداخلية اللبناني زياد بارود إلى طرح «ضرورة إيجاد مقاربة علمية وإنسانية وقانونية لحماية العاملات الأجنبيات في لبنان». وشدد في تصريح صحافي على ضرورة تعديل بعض التشريعات لإنصاف العاملات، ووجوب القيام بالمعالجات الفورية لجهة التدابير التي يفرضها عمل الأمن العام في هذا المجال، وتفعيل التنسيق بين جهاز الأمن العام من جهة، وسفارات أو قنصليات الدول التي ينتمي إليها هؤلاء العمال والعاملات.

وطالب بارود بـ«التسريع في نقل نظارة الأمن العام من مقرها الحالي تحت أحد الجسور في بيروت لإنشاء نظارة جديدة، مع العلم أن موازنة الإنشاء جاهزة من خلال دعم قدمه الاتحاد الأوروبي، وهي تأخذ بعين الاعتبار أن المبنى سيكون مبنى نظارة وليس سجنا».

تجدر الإشارة إلى أن النظارة الحالية الواقعة تحت أحد الجسور في بيروت، لا تتوفر فيها المواصفات الصحية ولا تصلها الشمس، وهي عبارة عن مكان يضم غرفة كبيرة مخصصة للموقوفين الرجال، وداخلها غرفة صغيرة مخصصة للموقوفات من العاملات الأجنبيات. ويروي أحد الناشطين في حقوق الإنسان أن «أيا كان يستطيع أن يتحرش بهؤلاء العاملات، سواء من جهة الموقوفين أو من جهة المكلفين بالحراسة، كأن يستدعيها أحد هؤلاء إلى مكتبة في ساعة متأخرة في الليل بحجة تنظيفه».

وعن حالات انتحار عاملات في منازل في لبنان، يذكر بارود أن «هذه القضية مرتبطة بما يحصل داخل تلك المنازل»، وأكد أهمية إيجاد آليات للرقابة وإتاحة المجال لوسائط تُنقل الشكاوى عبرها، وتوفير خط للنجدة وجمعيات متخصصة لرعاية العاملات. وقال إن «التجاوزات في هذا الملف تشهد تراجعا، وعملية التعميم مسيئة، ذلك أن جزءا كبيرا من الأسر اللبنانية يتعامل بأسلوب إنساني مع العاملة الأجنبية». كما شدد على «أهمية التوعية لمن يتعرضن لمعاملة سيئة وإطلاعهن على حقوقهن التي تخولهن مقاضاة من يسيء إليهن».

ومعروف أن جمعية «كاريتاس لبنان» تهتم بأوضاع العاملات المعنفات، أو اللاتي تعترضهن ظروف قاسية، لا سيما لجهة الاندماج في المجتمع اللبناني وتحديدا لمن لا تجيد إلا لغة بلادها. ولدى الجمعية أطباء يهتمون بالأحوال الصحية لمن يقصدهم، كذلك لديها محامون واختصاصيون اجتماعيون ونفسيون. وقد التقت «الشرق الأوسط» في مقر الجمعية بإحدى العاملات، وهي من الجنسية السريلانكية، وقد هربت من منزل مخدوميها بعد تعرضها لمعاملة سيئة، وعملية تجويع مستمرة وإهمال أدى إلى إصابتها بانهيار صحي ونفسي تام. الفتاة التي تبلغ 26 عاما وتعمل في منزل يقع في منطقة جبلية باردة، تقول: «أعطاني أصحاب المنزل غرفة خارجه. في الغرفة فراش على الأرض وغطاء رقيق. ولم تنفع توسلاتي بالحصول على غطاء صوفي يحميني من الصقيع. كانوا يطعمونني كمية قليلة من فضلات طعامهم. وعندما كنت أئن من الألم كان نصيبي الضرب، حتى شعرت أني سأموت. حينها هربت ولا أعرف كيف وصلت إلى بيروت وأرشدوني إلى الجمعية، التي تولت نقلي إلى المستشفى للمعالجة. كان وضعي صعبا لولا رحمة الله وعناية (كاريتاس). واليوم يتولى أحد المحامين قضيتي وأتمنى أن ينال من كنت أعمل عندهم عقابهم».

العقاب بدأ ينفذ في حق من يسيء إلى العاملات الأجنبيات. فقد أصدر أحد القضاة حكما بالسجن على لبناني ألحق ضررا بعاملة فيلبينية. لكن يبقى أن أصحاب مكاتب الاستخدام يشكلون عاملا من عوامل العنف الممارس ضد هذه الفئة المقهورة. فمن لا يرضى عنها أصحاب عملها، يأتي موظف من المكتب لـ«يربيها»، أي يصفعها ويشدها من شعرها ويشتمها، حتى تنصاع لرغبات مخدوميها. ويعتبر أن الأمر عادي ولا لزوم للاعتراض، «لأنهن لا يفهمن إلا بالضرب».

من هنا تتكرر حالات هروب العاملات في المنازل. وتكفي مطالعة الإعلانات في الصحف لاكتشاف النسبة العالية لهذه الفئة التي تفضل خوض مغامرتها على طريقتها. وقد تعرضها هذه الطريقة إلى مافيات منظمة تعمل على استغلال العاملات الهاربات. تقول تشيميلي من إثيوبيا إنها وصلت إلى لبنان لتعمل في أحد المنازل، لكنها فوجئت بأن عليها أن تعمل في ثلاثة منازل لعائلة واحدة وفي مبنى واحد. فهي ملزمة بتنظيف بيت زوجين عجوزين وبيتين لعائلتي ابنيهما المتزوجين، وذلك مقابل 150 دولارا في الشهر. وتقول: «عندما وصلت قرروا أن ينادوني جمال. ألغوا اسمي والأمر آلمني كثيرا. اعتبروا أنني من منطقة بدائية بعيدة عن الحضارة، أي متعودة على العمل القاسي ولم يرحموني، فهربت والتحقت بإحدى بنات بلدي التي تقيم وحدها وتعمل لحسابها. والأمر ليس سهلا لكن يبقى أفضل من الاستعباد. فأنا أعمل بالساعة وأدفع مما أحصله مبلغا مقطوعا لمن يدبر أموري حتى أستطيع إيجاد فرصة مناسبة وأجمع ما يكفي لأعود إلى بلادي».

وكانت قضية العاملات الأجنبيات قد دفعت منظمات حقوق الإنسان إلى القيام بنشاط للتنديد بما يتعرضن له بعد تسجيل حوادث انتحار لعشر عاملات خلال سبعة أسابيع نهاية العام الماضي سواء بالشنق أو بالسقوط من شرفات الأبنية.

ويقول نديم حوري، وهو باحث في منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية في لبنان: «السببان الرئيسيان هما الانتحار، أو الموت أثناء محاولة الهروب من أصحاب العمل». ويضيف: «هذا النمط من الإساءة يزداد بسبب اليأس الذي يدفع بالنساء إلى الانتحار نتيجة ظروف العمل السيئة والعزلة والإحساس بالعجز الذي ينتج عن نقص الموارد بأنواعها كافة». ويشير إلى أنه «تتم مصادرة جوازات سفر العاملات ويمنعن من الخروج أو التحدث إلى مواطناتهن». ووفق تقرير للمنظمة نتبين أن «أكثر من ثلث العاملات في البيوت في لبنان نفين أن يكون لديهن وقتا للراحة، وأكثر من 50% منهن قلن إنهن يعملن عشر ساعات يوميا على الأقل».


Digg Google Bookmarks reddit Mixx StumbleUpon Technorati Yahoo! Buzz DesignFloat Delicious BlinkList Furl

0 comments: on "Crossposting: عاملات المنازل في لبنان: قصص متكررة تبدأ بأجور زهيدة وتنتهي بمآس"

Post a Comment